فصل: الحديث الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّادِس:

عَن ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ بِمَاء مشمس، فأصابهُ وَضَحٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب جدًّا لَيْسَ فِي السّنَن الْأَرْبَعَة قطعا، حاشا الصَّحِيحَيْنِ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي السّنَن الْكَبِير، والْمعرفَة للبيهقي، وَلَا فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ، وعلله، وَلَا فِي المسانيد، فِيمَا فحصت عَنهُ عدَّة سِنِين فَوق الْعشْرَة، وسؤالي لبَعض الْحفاظ بِمصْر، والقدس، ودمشق عَنهُ، فَلم يعرفوه.
إلاَّ أَنِّي ظَفرت بِهِ فِي مشيخة قَاضِي المرستان، فِي أَوَاخِر الْجُزْء الْخَامِس مِنْهَا، وَقد أخبرنَا بهَا: المُسْنِد، أَبُو عبد الله، مُحَمَّد بن أَحْمد بن خَالِد الفارقي، أَنا الْعِزّ الْحَرَّانِي سَمَاعا، والنجيب إجَازَة، أخبرنَا ابْن الخُرَيف، ضِيَاء الدَّين بن أبي الْقَاسِم، سَمَاعا، أَنا القَاضِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي الْبَزَّاز، الْمَعْرُوف بقاضي المرستان، أَنا أَبُو الْحسن عَلّي بن جَامع النَّيْسَابُورِي، أَنا أَبُو بكر بن عبد ربه، أَنا أَبُو مُسلم فَارس بن المظفر بن غَالب، أَنا أَبُو عمر مُحَمَّد بن عَمْرو بن أَحْمد الْمُقْرِئ، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس الإِسماعيلي، أَنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن هَارُون بن حميد بن المجدر، وثنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون الْبَصْرِيّ، نَا عَلّي بن الْحسن بن يعمر، عَن عمر بن صُبْح، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من احْتجم يَوْم الْأَرْبَعَاء، أَو السبت، فَأَصَابَهُ داءٌ فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن اغْتسل بالمشمس فَأَصَابَهُ وَضَحٌ، فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، ومَنْ بَال فِي مستنقع، مَوضِع وضوئِهِ، فَأَصَابَهُ وسواس فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن تَعَرَّى فِي غير كِنٍّ، فَخُسِفَ بِهِ فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن نَام وَفِي يَده غَمَرُ الطَّعَام، فَأَصَابَهُ لَمَمٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه، وَمن نَام بعد الْعَصْر، فاختلس عقله فَلَا يلومنَّ إلاَّ نَفسه، وَمن شَبَّك فِي صلَاته، فَأَصَابَهُ زحِيْرٌ فَلَا يلومنَّ إِلَّا نَفسه».
حَدِيث واهٍ، عمرُ بن صبح: كَذَّاب، اعْترف بِالْوَضْعِ، والضَحَّاك: لَمْ يَلْقَ ابْن عَبَّاس، وَابْن المجدر: صَدُوق، لكنه نَاصِبِيٌّ منحرفٌ عَن الْحق.
وَفِي الْبَاب- أَيْضا- فِي النَّهْي عَن المشمس: حَدِيث أنس، وَله طَرِيقَانِ:
أَولهمَا: عَن سوَادَة، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، أنَّه سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ الَّذِي يُسَخَّن فِي الشَّمْس، فإنَّه يُعْدِي من البَرَصِ».
رَوَاهُ الْعقيلِيّ، وَغَيره، من حَدِيث: عَلّي بن هَاشم الْكُوفِي، عَن سوَادَة، بِهِ كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: سوَادَة مَجْهُول بِالنَّقْلِ، حَدِيثه غير مَحْفُوظ.
وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ عليٌّ وهَاشِم غاليين فِي مَذْهَبهمَا. يَعْنِي التَّشَيُّع. وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ عليٌّ غاليًا فِي التَّشَيُّع، ويروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير.
وَثَانِيهمَا: عَن زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تغسلوا صِبْيَانكُمْ بِالْمَاءِ الَّذِي يسخن بالشمس، فإنَّه يُورث البَرَص».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْجُزْء النيف والثمانين من أَفْرَاده، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام، وَهِي طَريقَة غَرِيبَة، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تَفَرَّد بِهِ زَكَرِيَّا بن حَكِيم، عَن الشّعبِيّ، وَلم يروه عَنهُ غير أبي اليسع، أَيُّوب بن سُلَيْمَان.
قلت: زَكَرِيَّا هَذَا ضَعِيف بِمرَّة. قَالَ فِيهِ أَحْمد، وَيَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْء. وقَالَ مرّة: لَيْسَ بِثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ. وَقَالَ عليٌّ: هَالك. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف.
وَأما أَيُّوب بن سُلَيْمَان، الرَّاوِي عَنهُ: فَهُوَ المكفوف، قَالَ الْأَزْدِيّ: غير حجَّة.
فَتَلَخَّص: أَن الْوَارِد فِي النَّهْي عَن اسْتِعْمَال المَاء المشمس، من جَمِيع طرقه بَاطِل، لَا يصحّ، وَلَا يحلُّ لأحدٍ الِاحْتِجَاج بِهِ. وَمَا قَصَّرَ ابنُ الْجَوْزِيّ فِي نسبته إِلَى الْوَضع فِي حَدِيث عَائِشَة وأَنس، وَقَوله فِي كل مِنْهُمَا: هَذَا حَدِيث لَا يصحّ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن: لَا يصحُّ. وَقَالَ فِي الْمعرفَة:
لَا يثبت الْبَتَّةَ. وَقَالَ الْعقيلِيّ الْحَافِظ: لَا يصحُّ فِي المَاء المشمس حَدِيث مُسْند، إنَّما يرْوَى فِيهِ شَيْء عَن عمر بن الْخطاب من قَوْله. وَسَيَأْتِي ذَلِك قَرِيبا.
ثمَّ بَينه بعد ذَلِك لما وَقع لأبي عبد الله، مُحَمَّد بن معن الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الَّذِي وَضعه عَلَى الْمُهَذّب، الْمُسَمَّى ب التنقيب، فإنَّه لمَّا ذكر حَدِيث عَائِشَة الْمُتَقَدّم، قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ فِي كِتَابَيْهِمَا.
هَكَذَا هُوَ ثَابت فِي كل النّسخ، وَلَا أَدْرِي كَيفَ وَقع لَهُ هَذَا الْغَلَط الْقَبِيح، وَمن أَيْن أَخذه؟!، وَقد وَقع فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَمْثَال ذَلِك، لَعَلَّنَا نُنَبِّه عَلَيْهَا فِي مواطنها- إِن شَاءَ الله ذَلِك وقَدَّره.
انْقَضَى الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب، بِحَمْد الله وعونه.
وَذكر فِيهِ عَن الصَّحَابَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم-: «أَنهم تَطَهَّرُوا بِالْمَاءِ المُسَخَّنِ بَين يَدي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يُنكِر عَلَيْهِم».
وَهَذَا، قَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: لم أَرَهُ فِي غير الرَّافِعِيّ.
قلت: وَقد رَوَاهُ بِنَحْوِهِ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل المِنْقَري، نَا الْهَيْثَم بن رُزَيْق- بِتَقْدِيم الرَّاء الْمُهْملَة عَلَى الزَّاي- الْمَالِكِي، من بني مَالك بن كَعْب بن سعد، عَاشَ مائَة وسبع عشرَة سنة، عَن أَبِيه، عَن الأسلع بن شريك، قَالَ: «كنت أُرَحِّلُ ناقةَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأصابتني جنابةٌ فِي لَيْلَة بَارِدَة، وَأَرَادَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الرحلة، فكرهتُ أَن أُرَحِّل نَاقَته وَأَنا جنب، وخشيت أَن أَغْتَسِل بِالْمَاءِ الْبَارِد فأموت، أَو أمرض، فأمرتُ رجلا من الْأَنْصَار، يُرَحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنت بهَا مَاء، فاغتسلت، ثمَّ لحقت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، فَقَالَ: يَا أسلع، مَا لي أرَى رحلتك تَغَيَّرت؟ فَقلت: يَا رَسُول الله لم أُرَحِّلْها، رحَّلها رجل من الْأَنْصَار. قَالَ: ولِمَ»؟ فَقلت: إِنِّي أصابتني جَنَابَة، فخشيتُ القُرَّ عَلَى نَفسِي، فَأَمَرته أَن يرحِّلها، ووضعتُ أحجارًا، فأسخنتُ مَاء فاغتسلت بِهِ، فَأنْزل الله- تَعَالَى-: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى... إِلَى قَوْله: إِن الله كَانَ عفوا غَفُورًا.
وَرَوَاهُ الْحَافِظ: الْحسن بن سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن الْهَيْثَم بن رُزَيْق، بِسَنَدِهِ، وَفِيه: «مَالِي أرَى رحلتك تضطرب»؟
وَمن جِهَة الْحسن بن سُفْيَان، أخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، إلاَّ أَنه مُخْتَصر اللَّفْظ.
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من طُرُق، أَحدهَا تقدَّم، وَالْبَاقِي فِي التَّيَمُّم.
والهيثم هَذَا ذكره وأباه: ابنُ أبي حَاتِم، وَلم يذكر فيهمَا جرحا وَلَا تعديلاً، وَلم يذكر رَاوِيا عَن الْهَيْثَم إلاَّ وَاحِدًا.
قلت: وَذكره الْعقيلِيّ، وَقَالَ: لَا يُتابع عَلَى حَدِيثه.
والْعَلَاء بن الْفضل الْمنْقري: فِيهِ ضعف يسير، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ مِمَّن ينْفَرد بأَشْيَاء مَنَاكِير عَن أَقوام مشاهير، لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بأخباره الَّتِي انْفَرد بهَا، فأمَّا مَا وَافق فِيهَا الثِّقَات: فإنْ اعْتبر بهَا مُعْتَبر، لم أَرَ بذلك بَأْسا.
وَيُقَال: رَحَلَ النَّاقة، يرحَلها- بِفَتْح الْحَاء- فِي الْمَاضِي والمستقبل، والرِّحلة- بِكَسْر الرَّاء هَهُنَا-: الْهَيْئَة، والرِّحلة- بِالْكَسْرِ أَيْضا-: الارتحال.
فَأَما الرُّحلة- بِالضَّمِّ-: فَمَا يُرْتَحَلُ إِلَيْهِ، يُقَال: أَنْتُم رُحْلَتِي. أَفَادَهُ الشَّيْخ فِي الإِمام.
وَلَا أعلم عَن أحدٍ من الصَّحَابَة فِي زَمَنه وَقع لَهُ ذَلِك إلاَّ الأسلع هَذَا، ولعلنا نتكلم علَىَ شَيْء من حَاله فِي بَاب التَّيَمُّم- إِن شَاءَ الله وقَدَّره.
وَهُوَ وافٍ بِمَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ؛ لِأَن عِبَارَته ظَاهِرَة فِي أَن جَمِيع الصَّحَابَة فعلوا ذَلِك بَين يَدي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْعقل قَاض باستحالة ذَلِك، لتفرقهم فِي الْبلدَانِ.
وَلَعَلَّه كَانَ فِي الأَصْل الَّذِي نَقله الرَّافِعِيّ: أَن بعض الصَّحَابَة تطهَّر بِالْمَاءِ المسخن.. إِلَى آخِره، فَسقط لفظ بعض، إِمَّا من الأَصْل الْمَنْقُول مِنْهُ أَو من أصل الرَّافِعِيّ.
نعم، قد رُوِيَ التطهر بِالْمَاءِ المسخن من فعل جمع من الصَّحَابَة:
أحدهم: عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم، عَن أسلم مولَى عمر بن الْخطاب: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُسَخَّن لَهُ مَاء فِي قُمْقُمَةٍ، فيغتسل بِهِ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح.
قلت: فِيهِ وَقْفَة، فَفِي إِسْنَاده عَلّي بن غراب، وَهِشَام بن سعد، وَقد ضُعِّفَا، فَلَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيّ اخْتَار تعديلهما.
أما عَلّي بن غراب: فَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَلَا أرَاهُ إلاَّ صَدوقًا. وَقَالَ السَّعْدِيّ: سَاقِط. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: تركُوا حَدِيثه. وَقَالَ الْجوزجَاني: سَاقِط. وَقَالَ ابْن حبَان: حَدَّث بالأشياء الْمَوْضُوعَة، فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ، وَكَانَ غاليًا فِي التَّشَيُّع، وإنْ أخرج لَهُ مُسلم. وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يدلِّس، وَمَا أرَاهُ إلاَّ صَدوقًا.
قلت: قد عنعن فِي هَذَا الْأَثر.
وَأما هِشَام بن سعد: فَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ هُوَ بمحكم الحَدِيث.
وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَمرَّة: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَمرَّة: ضَعِيف. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.
وَله إِسْنَاد آخر صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أنَّ عمر كَانَت لَهُ قمقمة يسخن فِيهَا المَاء.
وَرَوَاهُ- أَيْضا- عبد الرَّزَّاق عَن معمر، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أَن عمر كَانَ يغْتَسل بِالْمَاءِ الْحَمِيم. وَهَذَا إِسْنَاد كَالَّذي قبله.
ثمَّ رَوَاهُ عَن: وَكِيع، عَن هِشَام بن سعد عَن زيد بِهِ.
وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور بالإِسناد الأول، فَقَالَ: نَا ابْن أبي مَرْيَم، ونعيم بن حَمَّاد، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه: أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يغْتَسل، وَيتَوَضَّأ بالحميم.
الثَّانِي: عَن ابْنه عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
رَوَاهُ عَنهُ: ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه، عَن إِسْمَاعِيل بن عُلَيَّة، عَن أَيُّوب، قَالَ: سَأَلت نَافِعًا عَن المَاء المسخَّن، فَقَالَ: كَانَ ابْن عمر يتَوَضَّأ بالحميم.
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه، عَن معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع: أَن ابْن عمر كَانَ يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ الْحَمِيم.
وَهَذَا الإِسناد، وَالَّذِي قبله: رجالهما رجال الصَّحِيحَيْنِ. وَأخرجه أَبُو عبيد فِي كِتَابه الطّهُور بالإِسناد الأول سَوَاء.
الثَّالِث: عبد الله بن عَبَّاس.
رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه، عَن مُحَمَّد بن بشر، نَا مُحَمَّد بن عَمْرو، نَا أَبُو سَلمَة، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: إنَّا نَدَّهِن بالدهن وَقد طُبخ عَلَى النَّار، ونتوضأ بالحميم وَقد أُغلي عَلَى النَّار. وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح.
وَفِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ: «لَا بَأْس أَن يُغتسل بالحميم، وَيتَوَضَّأ مِنْهُ».
الرَّابِع: سَلمَة بن الْأَكْوَع.
رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه، عَن حَمَّاد بن مسْعدَة، عَن يزِيد: أَن سَلمَة كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ المَاء، فيتوضأُ بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي كِتَابه الطّهُور بِإِسْنَادِهِ، وَزَاد فِي آخِره: فِي الْبرد.
وَذكر الإِمام الرَّافِعِيّ فِيهِ من الْآثَار: أثر عمر بن الْخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَنه كره المَاء المشمس، وَقَالَ: إنَّه يُورث البَرَص.
وَهَذَا الْأَثر رُوِيَ من طَرِيقين:
أَحدهمَا: من رِوَايَة جَابر عَنهُ، كَذَلِك رَوَاهُ الإِمام الشَّافِعِي فِي الْأُم، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن صَدَقَة بن عبد الله، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَنهُ بِهِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن، والْمعرفَة، عَن الشَّافِعِي بالسند الْمَذْكُور.
وَهَذِه الطَّرِيقَة معلولة من وَجْهَيْن:
الأول: الطعْن فِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، وَهُوَ: ابْن أبي يَحْيَى، سمْعَان الْأَسْلَمِيّ، الْمدنِي، لم يُخرج لَهُ غير ابْن مَاجَه حَدِيث وَاحِد وَهُوَ: «من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا».
قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد، حَافظ مصر، فِي كِتَابه إِيضَاح الإِشكال- وَهُوَ مُفِيد-: هُوَ عبد الْوَهَّاب الْمقري، الَّذِي يروي عَنهُ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، وَهُوَ أَبُو الذِّئْب الَّذِي يحدث عَنهُ ابْن جريج.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ: كَانُوا يبهرجونه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثِقَة، وَكَانَ الْوَاقِدِيّ يَقُول: أَبُو إِسْحَاق بن مُحَمَّد، وَرُبمَا قَالَ: إِسْحَاق بن إِدْرِيس. وكَانَ ابْن جريج يَقُول نَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أبي عَطاء. وَكَانَ يَحْيَى بن آدم يَقُول: نَا إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى الْمدنِي. ا.هـ.
وَقد أَكثر أهل الحَدِيث القَوْل فِيهِ من جِهَة الْقدر وَغَيره، حَكَى ابْن أبي حَاتِم جرحه وتوهينه عَن: مَالك، ووكيع، وَابْن الْمُبَارك، وَابْن عُيَيْنَة، وَالْقطَّان، وَابْن الْمَدِينِيّ، وَأحمد، وَيَحْيَى بن معِين، وَأبي حَاتِم، وَأبي زرْعَة، وَغَيرهم.
قَالَ يَحْيَى بن سعيد: سَأَلت مَالِكًا عَنهُ: أَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث؟ قَالَ: لَا، وَلَا فِي دينه. وَسَيَأْتِي أَنه حط عَلَى مَالك أَيْضا.
وَقَالَ الْقطَّان: كَذَّاب. وَقَالَ أَحْمد: تركُوا أَحَادِيثه، قدري معتزلي، يروي أَحَادِيث مُنكرَة، لَيْسَ لَهَا أصل، وَيَأْخُذ أَحَادِيث النَّاس يَضَعهَا فِي كتبه.
وَقَالَ وَكِيع: لَا تكْتبُوا عَنهُ حرفا. وَقَالَ أَحْمد مرّة: قدريّ، جهمي، كل بلَاء فِيهِ، ترك النَّاس حَدِيثه. وَقَالَ البُخَارِيّ: تَركه ابْن الْمُبَارك وَالنَّاس. وَقَالَ مرّة: كَانَ يرَى الْقدر، وَكَانَ جهميًّا. وَقَالَ ابْن معِين: كَذَّاب، رَافِضِي، مَتْرُوك. وَقَالَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي شيبَة: سَمِعت عليا يَقُول: هُوَ كَذَّاب، وَكَانَ يَقُول بِالْقدرِ، وَأَخُوهُ أنيس ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: الكذابون المعروفون بِوَضْع الحَدِيث عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعَة: إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى بِالْمَدِينَةِ، والواقدي بِبَغْدَاد، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان بخراسان، وَمُحَمّد بن سعيد بِالشَّام، يعرف بالمصلوب. وَقَالَ النَّسَائِيّ مرّة: مَتْرُوك. وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَغَيره.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد- عَلَى مَا أسْندهُ الْعقيلِيّ فِي ضُعَفَائِهِ-: كنَّا نُسَمِّيه- وَنحن نطلب الحَدِيث-: خرافة. وَقَالَ الدَّارمِيّ: سَمِعت يزِيد بن هَارُون يكذبهُ. وَقَالَ بشر بن الْمفضل: سَأَلت فُقَهَاء الْمَدِينَة عَنهُ، فكلهم قَالُوا: هُوَ كذَّاب. وَقَالَ أَبُو همَّام السكونِي: سَمِعت إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى يشْتم بعض السّلف. وحطَّ عَلَى مَالك الإِمام، فَحَدَّث شخصا غَرِيبا بِثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَقَالَ: قد حدَّثتك ثَلَاثِينَ حَدِيثا، وَلَو ذهبت إِلَى ذَلِك الْحمار، فحدَّثك بِثَلَاثَة أَحَادِيث لفرحت بهَا؛ يَعْنِي: مَالِكًا. وَقَالَ الْعجلِيّ: كَانَ قدريًا، معتزليًا، رَافِضِيًّا، كَانَت فِيهِ كل بِدعَة، وَكَانَ من أحفظ النَّاس، وَكَانَ قد سمع علما كثيرا، وقرابته كلهم ثِقَات، وَهُوَ غير ثِقَة. وَفِي كتاب الْآجُرِيّ عَن أبي دَاوُد: كَانَ قدريًا رَافِضِيًّا، شتَّامًا، مَأْبُونًا.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب نزُول الرُّخْصَة فِي التَّيَمُّم: إِبْرَاهِيم هَذَا مُخْتَلف فِي ثقته، ضعَّفه أَكثر أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ، وطعنوا فِيهِ، قَالَ: وَكَانَ الشَّافِعِي يُبْعده عَن الْكَذِب، قَالَ: وَقَالَ الرّبيع: سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول: كَانَ إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى قَدَرِيًّا. قَالَ يَحْيَى بن زَكَرِيَّا: قلت للربيع: فَمَا حمل الشَّافِعِي عَلَى أَن رَوَى عَنهُ؟ قَالَ: كَانَ يَقُول: لِأَن يخر إِبْرَاهِيم من بُعْد، أحبّ إِلَيْهِ من أَن يكذب، وَكَانَ ثِقَة فِي الحَدِيث.
وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْحَج: أنَّ الشَّافِعِي قَالَ فِيهِ: أنَّه أَحْفَظ من عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي. الْمُتَّفق عَلَى إِخْرَاج حَدِيثه فِي الصَّحِيح.
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي الْحَافِظ: سَأَلت أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد- يَعْنِي ابْن عقدَة- فَقلت: تعلمُ أحدا أحسن القَوْل فِي إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، شيخ الشَّافِعِي، غَيره؟ فَقَالَ: نعم، ثَنَا أَحْمد بن يَحْيَى الأودي، قَالَ: سَأَلت حمدَان بن الْأَصْبَهَانِيّ- يَعْنِي مُحَمَّدًا- قلت: أتدينُ بِحَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ ابْن عدي: قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد: نظرت فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى، فَلَيْسَ هُوَ بمنكر الحَدِيث.
قَالَ ابْن عدي: وَقد نظرت أَنا فِي حَدِيثه- أَيْضا- الْكثير، فَلم أجدْ فِيهِ مُنْكرا، وإنَّما الْمُنكر إِذا كَانَت الْعهْدَة من قبل الرَّاوِي عَنهُ، أَو من قبل من يروي إِبْرَاهِيم عَنهُ، وَله أَحَادِيث كَثِيرَة، وَله كتاب أَضْعَاف موطأ مَالك.
قَالَ: وَقد رَوَى عَنهُ: ابْن جريج، والثَّوْريّ، وعَبَّاد بن مَنْصُور، ومنْدَل، وَيَحْيَى بن أَيُّوب؛ وَهَؤُلَاء أقدم موتا مِنْهُ، وأكبر سنا، وَهُوَ فِي جملَة من يكْتب حَدِيثه، وَقد وثَّقَه الشَّافِعِي، وَابْن الْأَصْبَهَانِيّ.
وَقَالَ الرّبيع: كَانَ الشَّافِعِي إِذا قَالَ: ثَنَا من لَا أتهم. بِهِ يُرِيد إِبْرَاهِيم بن أبي يَحْيَى.
وَقَالَ السَّاجِي: الشَّافِعِي لم يخرجْ عَن إِبْرَاهِيم حَدِيثا فِي فرض، إنَّما جعله شَاهدا فِي فَضَائِل الْأَعْمَال، وَظن بِهِ الشَّافِعِي مَا ظن بِهِ ابْن جريج.
قلت: وَفِيه نظر.
وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يرَى الْقدر، وَيذْهب إِلَى كَلَام جهم، ويكذب مَعَ ذَلِك فِي الحَدِيث، قَالَ: وَأما الشَّافِعِي: فإنَّه كَانَ يُجَالس إِبْرَاهِيم فِي حداثته، ويحفظ عَنهُ حفظ الصَّبِي، وَالْحِفْظ فِي الصغر كالنقش فِي الْحجر، فَلَمَّا دخل مصر فِي آخر عمره، وَأخذ يُصَنِّف الْكتب المبسوطة احْتَاجَ إِلَى الْأَخْبَار، وَلم يكن مَعَه كتبه، فَأكْثر مَا أودع الْكتب من حفظه، وَرُبمَا كَنَّى عَنهُ، وَلَا يُسَمِّيه فِي كتبه.
وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي علله: قد كَانَ من النَّاس من أحسن الرَّأْي فِيهِ، مِنْهُم: الشَّافِعِي، وَابْن جريج.
قلت: فَتَلَخَّص أَن خَمْسَة وَثَّقُوه، وهم: الشَّافِعِي، وَابْن جريج، وحمدان بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ، وَأحمد بن مُحَمَّد بن سعيد بن عقدَة الْحَافِظ، وَابْن عدي، وَأَن الجمَّ الْغَفِير ضَعَّفُوهُ، وَلَا خَفَاء أَن الْجرْح مقدم، لَا جرم قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء: هُوَ مَتْرُوك عِنْد الْجُمْهُور.
وَقَول ابْن الصّلاح فِي مشكله فِي صفة الصَّلَاة: وَابْن أبي يَحْيَى، وإنْ كَانَ ثِقَة عِنْد الشَّافِعِي، فَهُوَ مَجْرُوح عِنْد سَائِر أهل الحَدِيث. غَرِيب مِنْهُ مَعَ جلالته، وَكَأَنَّهُ تبع أَبَا الْعَرَب، فإنَّه قَالَ فِي ضُعَفَائِهِ: حَدَّثَنَي عِيسَى بن حَكِيم، عَن مُحَمَّد بن سَحْنُون، أَنه قَالَ: إِنَّه لَا يحْتَج بحَديثه عِنْد الْأمة جَمِيعهَا، لَا أعلم بَين الْأَئِمَّة اخْتِلَافا فِي إبِْطَال الْحجَّة بحَديثه.
وَقَالَ الخليلي فِي كتاب الإِرشاد: لَا يروي عَنهُ من يُزَكِّيه إلاَّ الشَّافِعِي، فَإِنَّهُ يَقُول: ثَنَا الثِّقَة فِي حَدِيثه، الْمُتَّهم فِي دينه، وَقد رَوَى عَنهُ ابْن جريج مَعَ جلالته.
الثَّانِي: الطعْن فِي صَدَقَة بن عبد الله، شيخ إِبْرَاهِيم، وَهُوَ أخف حَالا من تِلْمِيذه، وَهُوَ: أَبُو مُعَاوِيَة، السمين، الْقرشِي، الدِّمَشْقِي، وثَّقَه دُحَيْم، وَقَالَ أَحْمد: ضَعِيف جدا، لَيْسَ بِشَيْء، أَحَادِيثه مَنَاكِير، لَيْسَ يُسَاوِي حَدِيثه شَيْئا.
وَقَالَ يَحْيَى، والنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف، وَقَالَ البُخَارِيّ: ضَعِيف جدا. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي الموضوعات عَن الثِّقَات.
فَتَلَخَّص: أنَّ هَذَا الْأَثر ضَعِيف، للعلتين المذكورتين. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: هَذَا الْأَثر حسنٌ. وَفِي ذَلِك مَا لَا يخْفَى.
الطَّرِيق الثَّانِي: من رِوَايَة حسَّان بن أَزْهَر، عَنهُ، أَنه قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه يُورث البرص.
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سهل بن زِيَاد، ثَنَا إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، ثَنَا دَاوُد بن رشيد، ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، قَالَ: حَدَّثَنَي صَفْوَان بن عَمْرو، عَن حسَّان بِهِ.
وَهَذَا إسنادٌ جيدٌ، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: فِيهِ مقَال، تَقَدَّم فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ». وَقد قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: إِذا رَوَى عَن أهل حمص يكون حَدِيثه صَحِيحا.
وَصَفوَان بن عَمْرو هَذَا: حمصي، لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ محب الدَّين الطَّبَرِيّ فِي شَرحه: إنَّ إِسْنَاده صَحِيح.
قلت: وَلم ينْفَرد إِسْمَاعِيل بِهِ، بل تُوبع عَلَيْهِ، قَالَ ابْن حبَان فِي ثقاته، فِي تَرْجَمَة حسان بن أَزْهَر هَذَا: ثَنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، ثَنَا عبد الْأَعْلَى بن سَالم الكتاني، ثَنَا أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج، ثَنَا صَفْوَان بن عَمْرو، ثَنَا حسان بن أَزْهَر، عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: لَا تغتسلوا بِالْمَاءِ المشمس، فإنَّه ينْزع إِلَى البَرَص.
خَاتِمَة ذكر الرَّافِعِيّ هُنَا، فِي الْكَلَام عَلَى مَا إِذا تَغَيَّر المَاء بِالتُّرَابِ: أنَّ الشَّرْع أَمر بالتعفير من ولوغ الْكَلْب. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وستعلمه فِي أثْنَاء الْبَاب الْآتِي- إِن شَاءَ الله.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم.

.باب بَيَان النَّجَاسَات وَالْمَاء النَّجس

ذكر فِيهِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَرْبَعَة وَعشْرين حَدِيثا:

.الأول:

الْخَبَر الْمَشْهُور: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ دُعِي إِلَى دارٍ فَأجَاب، ودعي إِلَى دَار أُخرى فَلم يجب، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: «إنَّ فِي دَار فلَان كَلْبا». فَقيل: وَفِي دَار فلَان هرَّة، فَقَالَ: «الهرَّة لَيست بِنَجِسة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي الْمُسْتَدْرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِي دَار قوم من الْأَنْصَار، ودونهم دَار لَا يَأْتِيهَا، فشقَّ ذَلِك عَلَيْهِم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله! تَأتي دَار فلَان، وَلَا تَأتي دَارنَا؟! فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إنَّ فِي داركم كَلْبا» قَالُوا: فإنَّ فِي دَارهم سنورًا. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «السنور سبع».
هَذَا لَفظهمْ، وَإِسْنَاده صَحِيح، كل رِجَاله ثِقَات، إلاَّ عِيسَى بن الْمسيب، فَفِيهِ مقَال.
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ فِي الإِمام، وَالْمُنْذِرِي فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: إِن إِسْنَاده صَحِيح إِلَيْهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَعِيسَى بن الْمسيب تفرد بِهِ عَن أبي زرْعَة، قَالَ: وَهُوَ صَدُوق وَلم يجرح قطّ. كَذَا قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله وَهَذَا من أعجب الْعجب، فقد تكلم جماعات. قَالَ يَحْيَى بن معِين، والنَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ يَحْيَى مرّة: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعِيف. وَقَالَ الرازيان: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار وَلَا يعلم، ويخطئ وَلَا يفهم، حتَّى خرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابِعه عَلَى هَذَا الحَدِيث إِلَّا مَن هُوَ مثله، أَو دونه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لم يرفعهُ أَبُو نعيم، وَهُوَ أصح، وَعِيسَى لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَعَن الدَّارَقُطْنِيّ اخْتِلَاف فِيهِ، فَنقل ابْن الْجَوْزِيّ فِي الضُّعَفَاء عَنهُ أَنه قَالَ: هُوَ ضَعِيف. وَنقل الْبَيْهَقِيّ، وَالْمُنْذِرِي، وَصَاحب الإِمام عَنهُ أَنه قَالَ: صَالح الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَأَيْته فِي سنَنه عقب هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالْمُنْذِرِي: قَالَ ابْن عدي: عِيسَى بن الْمسيب صَالح فِيمَا يرويهِ.
وضَعَّفه ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه الْعِلَل المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة بِسَبَبِهِ، وَقَالَ: إنَّه حَدِيث لَا يَصح.
وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ: أشكل مَعْنَى هَذَا الحَدِيث- إنْ صحّ- وَقَالَ بَعضهم: سقط مِنْهُ، وَتَمَامه: «الْهِرَّة لَيست بِسبع». قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هِيَ سبع، والْحَدِيث تَامّ، وَالْمعْنَى فِيهِ: أَن الْهِرَّة سبع ذَات نَاب، ينْتَفع بهَا، وَالْكَلب لَا مَنْفَعَة فِيهِ.
وَمن الْعَجَائِب: أَن الشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- بَيَّضَ لهَذَا الحَدِيث بَيَاضًا فِي شرح الْمُهَذّب وَلم يعزه لأحد، وَهُوَ مَوْجُود فِي الْكتب الْمَذْكُورَة، وَتَابعه الشَّيْخ نجم الدَّين ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب، وَزَاد- لأجل أَنه لم يعزه-: إِنَّه غير مَشْهُور.
وَاعْلَم: أَن الإِمام الرَّافِعِيّ لم يُورد هَذَا الحَدِيث كَمَا سردته لَك، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَيَوَانَات طَاهِرَة، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثَة، أَحدهَا: الْكَلْب، لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الحَدِيث الْمَشْهُور: «إِنَّهَا لَيست بنجسة». قَالَ: وَوجه الِاسْتِدْلَال مَشْهُور. فأفصحت لَك بِهِ، وَإِيَّاك أَن تَقول: مُرَاده حَدِيث أبي قَتَادَة الْآتِي، فَإِن الْكَلْب لَيْسَ لَهُ ذكر فِيهِ، فَافْهَم ذَلِك.
وإنْ كَانَ ذَلِك وَقع فِي كتب أهل الْأُصُول فِي كَلَامهم عَلَى الْأَسْمَاء.

.الحديث الثَّانِي:

أَنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أُحِلَّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَان: السمكُ والجرادُ، والكبدُ وَالطحَال».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي، وَأحمد فِي مسنديهما، وَابْن مَاجَه، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمْ. من رِوَايَة: عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن زيد بن أسلم، عَن عبد الله بن عمر، أَنه قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ...» الْخَبَر. قَالَا: وَهُوَ الْأَصَح. يَعْنِي: أَن الْقَائِل: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ»، هُوَ ابْن عمر؛ لِأَن الرِّوَايَة الأولَى- وَهِي رِوَايَة الْمَرْفُوع- ضَعِيفَة جدًّا، لأجل عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، فإنَّه ضَعِيف بِاتِّفَاق الْحفاظ، ضعفه الإِمام أَحْمد، وَعلي بن الْمَدِينِيّ، حتَّى قَالَ: لَيْسَ فِي ولد زيد بن أسلم ثِقَة. وَأَبُو دَاوُد، وَأَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ والنَّسَائِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: بَنو زيد بن أسلم لَيْسُوا بِشَيْء. وَقَالَ الشَّافِعِي: سَأَلَ رجل عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم: حَدَّثك أَبوك عَن أَبِيه: أنَّ سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ، وَصَلى خلف الْمقَام؟ قَالَ: نعم. وَقَالَ الشَّافِعِي: ذُكِرَ لمَالِك حَدِيث، فَقَالَ: من حَدَّثك؟ فَذكر لَهُ إِسْنَادًا مُنْقَطِعًا، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، يحدِّثك عَن أَبِيه، عَن نوح- عَلَيْهِ السَّلَام- وَقَالَ ابْن حبَان: كَانَ يقلب الْأَخْبَار وَهُوَ لَا يعلم، حتَّى كَثُر ذَلِك فِي رِوَايَته، من رفع الْمَرَاسِيل، وَإسْنَاد الْمَوْقُوف، فَاسْتحقَّ التّرْك. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: ضَعَّفه الْجُمْهُور.
قلت: وَأخرج الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه حَدِيثا فِي مَنَاقِب سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه عبد الرَّحْمَن هَذَا، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد، وَفِي ذَلِك نظر، لما عَلمته من أَقْوَالهم فِيهِ.
قَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: رَوَى حَدِيثا مُنْكرا: أُحِلَّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ. يَعْنِي الإِمام أَحْمد: الرِّوَايَة الأولَى، وَأما الثَّانِيَة: فَهِيَ أصحّ مِنْهَا، كَمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، وَأَبُو زرْعَة الرَّازِيّ، فإنَّ ابْن أبي حَاتِم نقل فِي علله أَنه قَالَ: الْمَوْقُوف أصح. كَمَا قَالَاه.
مَعَ أَن ابْن عدي فِي كَامِله قَالَ: رَوَاهُ يَحْيَى بن حَسَّان، عَن سُلَيْمَان بن بِلَال مَرْفُوعا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رفع هَذَا الحَدِيث أولادُ زيد عَن أَبِيهِم، وهم: عبد الله، وَأُسَامَة، وَعبد الرَّحْمَن بَنو زيد بن أسلم، عَن أَبِيهِم، عَن ابْن عمر، قَالَ: وَأَوْلَاد زيد كلهم ضعفاء، جرحهم يَحْيَى بن معِين، وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَعلي بن الْمَدِينِيّ يوثقان عبد الله بن زيد، إلاَّ أَن الصَّحِيح من هَذَا الحَدِيث هُوَ الأول، يَعْنِي: الْمَوْقُوف الَّذِي قدمه.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، غير أَنه متماسك. قَالَ: وَأَوْلَاد زيد، وإنْ كَانُوا قد ضُعِّفوا ثَلَاثَتهمْ، فعبد الله مِنْهُم: قد وثَّقه أَحْمد، وَعلي بن الْمَدِينِيّ. قَالَ: وَفِي اجْتِمَاعهم عَلَى رَفعه مَا يقويه تَقْوِيَة صَالِحَة.
قلت: وجنح الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام إِلَى تَصْحِيح الرِّوَايَة المرفوعة من طَرِيق عبد الله بن زيد، فإنَّه قَالَ- عقب قَول الْبَيْهَقِيّ: إِن أَحْمد بن حَنْبَل وعَلّي بن الْمَدِينِيّ كَانَا يوثِّقان عبد الله بن زيد، إِلَى آخِره-: إِذا كَانَ عبد الله عَلَى مَا قَالَاه، فَيدْخل حَدِيثه فِيمَا رَفعه الثِّقَة، وَوَقفه غَيره، قَالَ وَقد عُرِف مَا فِيهِ عِنْد الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء. يَعْنِي: والأصحّ تَقْدِيم مَا رَوَاهُ الرافع؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة، وَهِي من الثِّقَة مَقْبُولَة.
قَالَ: لاسيما وَقد تَابعه عَلَى ذَلِك أَخَوَاهُ. أَي: فَلَا يُسَلَّم أَن الصَّحِيح الأول كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ، فَتكون هَذِه الطَّرِيقَة حَسَنَة، مَعَ أَن الرِّوَايَة الْأُخْرَى يحسن الِاسْتِدْلَال بهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هِيَ فِي مَعْنَى الْمسند.
قلت: لِأَن قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا بِكَذَا، ونهينا عَن كَذَا، وأحلَّ كَذَا، وحُرِّم كَذَا: مَرْفُوع إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى الْمُخْتَار عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء، والأصوليين، والمحدثين.
لَا جرم أَن الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح، وَالشَّيْخ محيي الدَّين النَّوَوِيّ قَالَا: يحصل الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الرِّوَايَة؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَرْفُوع.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَريقَة ضَعِيفَة جدًّا، غَرِيبَة، لَا بَأْس بالتنبيه عَلَيْهَا، وَهِي: عَن الْمسور بن الصَّلْت، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، مَرْفُوعا كَمَا تقدم.
قَالَ الدارقطني: لَا يصحّ؛ لِأَن الْمسور كَانَ ضَعِيفا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، فقد كَذًَّبه أَحْمد. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات الموضوعات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.